أخبار وطنيةالرئيسية

تَوفيرُ اليومِ لِلْغَد

أحمد إفزارن

 

“التّوفِيرُ” لِمُواجَهةِ تَحدّياتِ الغَد..

ضرُورةٌ احتِياطيّةٌ لتَحرِيكِ عَجَلَةِ الاقتِصَاد، وتَمكِينِها منَ الدّوَرَانِ بسُرعةٍ أكبَر، لفائدةِ اليومِ والغَد..

وفي هذا السّياق، يَستَطِيعُ “التّوفِيرُ” أن يَلعَبَ دَورًا مِحوَرِيّا في تحرِيكِ الاقتِصادِ الفَردِي والأُسَرِي والوَطَنِي..

تعالوا نُفكّر في الظرفِ الآنِي!
وفي أجيالٍ قادِمة!
إنّ “التّوفِير”، بِبُعدِهِ المُستَقبَلِي، يَأخُذُ في الاعتبارِ تنشِيطَ “القِيّمِ التّنمويّة” الجاري بها العَملُ في الدّولِ المُتطَوّرة..
وهذه تصَوُّراتٌ لهذه القِيّمِ، في حُدُودِ الزّاويةِ التّوفِيريّة:

1- “التّوفِيرُ” في حياتِنا ليسَ جَدِيدًا..
بلادُنا ذاتُ تَجرِبةٍ مع “صُندُوق التّوفِير”، باستِخدَامِ المُدّخَرات..
ونَستطِيعُ اليومَ إنعاشَ هذه التّجربة، لتَطويرِها بِمَا يَخدُمُ التّنميّة، بدءًا منَ الفَرد، وُصُولاً إلى الأُسرَة، فإلى كلّ البلَد…
وحاليًّا، نحنُ بصَددِ البَحثِ عن “نَمُوذجٍ تَنمَوِيّ جَدِيد”، وعن “عدالةٍ اجتِماعيّة” بِبُعدِها المُتطَوّر، رُبمّا حانَ الوَقتُ لإعادةِ النّظَر في مَشروعِ “التّوفِير” الذي تَشتَغلُ فيه بلادُنا منذُ عقُود.. فهل نَجَحت التّجربة؟ أم هناك ما يَستوجبُ التّدخُّل القانوني؟
وبالعودةِ إلى الماضِي، أكيدًا يَتَسَنّى للجِهاتِ المُختصّة أن تَستخلصَ من أيةِ أخطاءٍ مُحتَمَلةٍ رُؤيةً مُستَقبَليّةً مُفيدةً لمَصالِحِ البلاد..

ولعلّ من أخطاءِ الماضي – إذا كانت – تَحوِيلُ مَفهُومِ “التّوفِير” إلى نوعٍ من الإشهار، وكأنّ الادّخارَ الفَردِي والأُسَرِي والجَماعِي ما هو إلاّ صورةٌ للإعلاناتِ المُتداوَلة، بما فيها اعتبارُ “التّوفِير” – حسبَ اللّغةِ الإشهاريّة – صيغةً للادّخارِ، ذاتَ مَزايا مُتَعدّدة..

وفي هذه الحالة، ماذا استفادَت الخَدماتُ الاجتماعيةُ منْ هذا الصّندُوق، على مُستوَى المَشارِيع، والتّنميةِ الوَطنية، والعَدالة الاجتِماعية؟ وأين هذا الصّندوقُ من مُحاربةِ الفقرِ والهَشاشة؟ لماذا لا نجدُ له أثرًا في تحسينِ الحياةِ اليومية لفئاتٍ مُحتَاجة؟ هل لهذا الصّندوقِ فُرَصٌ للظّهورِ على مُستوَى المَشارِيع؟ أم تمّ إغراقُه في الميزانيةِ العامة، ولا يظهرُ له أثرٌ إلاّ في إطارٍ مَحدُود؟

ألَم يَحِن وقتُ مُراجعةِ الذّات؟ أين النجاح؟ وأين الخطأ؟ وعلى أيّ مُستوًى نَجحَ “التّوفِيرُ الوَطنِي”؟
مَهما يكُن، لم يفُت وقتُ تدارُكِ أيّ خَطأ.. هذا إذا كانت هناك هَفَوات..

هَفَواتُ الماضي، يُمكنُ تدارُكُها في المستقبلِ التّوفِيري..

ومَن يُريد توفيرًا لنَفسِه، ولأُسرَتِه، وللناسِ أجمعينَ في ربُوع هذا الوطَن، فعَليهِ بالقِيّمِ التّنمويةِ التي هي مِن خصُوصياتِ هذا المجال..

■ ومِن أبرزِ هذه القِيَّم:

• تطويرُ التّنميّة، بَدءًا من الفرد، وُصولاً إلى الأُسرة،  فإلى كُلِّ البلد.. وهذا التّوفِيرُ بهذه الصيغة، من المَفرُوض أن  تُواكِبَ صُندُوقَهُ عَلَنيّةُ حُسنِ التّسيِير والتّدبير.. فهل تُنشَرُ حساباتُه التّوضيحيّة؟ ومعها الأهدافُ التي تُرصَدُ لها الأرقام؟ إن هذه الشّفافية تُعطِي لهذا “التّوفير” مِصداقيةً قادرةً على جَذبِ فئاتٍ أوسَع، ومن ثمّةَ تكُونُ مَصاريفُه أوضَح..

• مُراقَبةٌ للمُؤسّساتِ المُختصّة..

• تكوينُ المَهارات.. و”تعليمُ” الأُسرةِ والمُجتَمع، كبارًا وصِغارًا، كيفيةَ التّنميةِ الذّاتيةِ السليمة، وكيفيةَ توظيفِ التّوفير، على الصعيد الاجتماعي، لكي يُفهَمَ ويُستَوعَبَ ويُطبَّق..

• “التوفيرُ الوطني” يَعنِي الادّخارَ للمُستَقبَل، على أساسِ حُسنِ التّسيِيرِ والتّدبِير.. وهذا لا يعنِي التّبذِير، بل تقليلَ المَصاريف.. وهذا مَوجودٌ في ثقافتِنا الوطنية: التّعاوُن، التآزُر، التطوّع، “دَارَتْ”، ثْوِيزَة، وغيرها من التسميات المتداولة..

• إدخالُ ثقافةِ “التّوفير” في تنشيطِ جمعياتٍ تهدفُ لتَدوِيرِ الاقتِصاد.. ربطُ التنمية بالمُجتمع المدني.. والهدف: خدمات اجتماعية.. وهذا يقودُ إلى تدويرٍ للحركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…

2- هذه التّصوّرَاتُ وغيرُها قادرةٌ على تحريكِ الأخلاقِ العامّة، لتَكُونَ في مُستوَى القِيّم المطلوبة..

وعندما يَنضبِطُ الجَمِيعُ للقانون، تستقيمُ الأحوال، ولا أحدَ يُفكّرُ في المَساس بالاستقرارِ التّنمَوِي للبَلد.. ولا في أيّ إضرارٍ بحُقوقِ الأجيالِ القادِمة..

وهذا عُنصُرٌ مُهِمٌّ في تَقويةِ الرّوح الوطنية، ونَشرِ ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَل، وثقافةِ التعاوُن بمُختلفِ أوسَاطِنا الاجتِماعية..

3- بلادُنا بحاجةٍ إلى وِقايةٍ من مَخاطرِ “الفسادِ الإداري”.. وهذه المَخاطرُ لم تَنتَهِ بَعد.. ما زالت قائمة.. وفي ظرفِنا الاجتماعي الرّاهن، نحتاجُ إلى تَنشِيطِ ثقافةِ “التّوفِير”.. إنها مُفيدة لدَورَاتِنا الاقتصادية، ومَصالحِنا الوَطنية..

وهذا هدَفٌ يجبُ أن نضعَهُ نَصبَ أعيُنِنا، ثُم نشتغلُ فُرادَى وجماعاتٍ على تحقيقِه.. وتحديدُ الهدف هو من العناصر الأساسية لإنجاز مسيرةِ التنمية..

• وعلينا ألاّ نُفكّرَ – فقط – في ظرفِنا الحالي، بل أيضًا في أبنائنا وأحفادِنا.. وكلِّ الأجيالِ القادمة..
وعلينا بالتخطيطِ الإيجابِيّ لمُستَقبلِ هذا البَلد..
وفي هذا الاتجاه، يُمكنُ تغييرُ تسميةِ “صندُوق التّوفير الوطني”، وجَعْلِ اسمِه الجديدِ مُرتبِطًا بالمُستقبل: “مُستَقبَل الأجيالِ القادِمة”!

■ وهذا المُستقبلُ الذي يَشغلُ بالَنا، هو ما علينا أن نَبنِيهِ
– حاليًّا – لَنا ولغَيرِنا..
وعلينا أن نُسَاهِمَ في أساساتِ الغد، بخِبرةٍ قد اكتَسَبنَاها بتَجربَتِنا الفَرديةِ والجَماعية، كما فعلَ السابقون مَعنا، حيث قِيل: “غَرَسُوا فأكَلنا، ونَغرسُ فيَأكُلون”..

وعلينا ألا نُعرّضَ الأجيالَ القادِمة لخَطَرِ العبَثِ واللاّمُبالاةِ والتّبذِير، وأن نستَجِيبَ فقط لاحتياجاتِنا الذاتيةِ القائمةِ على عدَمِ التّفريطِ في حقوقِ أبناءِ الغد..

وليس من حقّنا أن ننالَ من حقوقِ الغد، استِجابةً لأنانيةٍ مُفرِطةٍ تُملِيها “عقلياتٌ” في الحاضِر..

علينا أن نُساهمَ في تَشيِيدِ مُقوّماتِ الغَد، على أساس خِبرةِ الماضي والحاضِر..

وأن نسِيرَ بالحاضِر إلى غدٍ أفضلَ لأبنائِنا وأحفادِنا..

وهكذا نُساهِمُ في خِبرةٍ آنيةٍ تُفِيدُنا..
وتُفيدُ الغَد.. وما بعدَ الغَد..

ifzahmed66@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى