الرئيسيةتكنلوجيا

الإتصالات عبر الأقمار الصناعية.. ثورة تكنولوجيا “صامتة”

أصدرت بعض شركات الاتصالات العالمية الجيل الخامس من التكنولوجيا الخلوية 5G في مناطق معينة، وهو ما اعتبر على نطاق واسع إعلاميا “ثورة تكنولوجية”. لكن جودة الولوج الى هذه الشبكة يبقى مرتهنا بموقع المستخدم في مقابل تطور تكنولوجيا الاتصالات الساتلية التي تجري “في صمت” بعيدا عن المتابعة الإعلامية. فما هي الأسباب؟ وما أهمية تكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الصناعية؟


“حدث تطوران في القرنين التاسع عشر والعشرين غيَّرا الطريقة التي يعيش بها الإنسان: السيارات والاتصالات”. بهذه العبارة بدأ تيموتي بلات وجيرمي أ. أولنوت كتابهما الصادر هذه السنة بالإنجليزية تحت عنوان “الاتصالات عبر الأقمار الصناعية”، الذي يعد مرجعا مهما وأساسيا لكل من يريد أن يعرف كيفية عمل نظام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية واكتساب المعلومات والبيانات الضرورية في هذا المجال، وذلك من خلال قراءة الاستنتاجات التي راكمها الأستاذان المتقاعدان منذ أن نشرا كتابهما لأول مرة قبل 33 سنة.

ويرى الباحثان المتخصصان في هندسة الكهرباء والحاسوب أن المكالمة الهاتفية الدولية، التي كانت تكلف دولارا أمريكيا للدقيقة في عام 1960، أصبحت بأقل من 0.02 دولار أمريكي للدقيقة في عام 2000. وقد تم تخفيض تكلفة الاتصالات بمعامل يزيد عن 1000، مع أخذ عنصر التضخم بعين الاعتبار. وأصبح الولوج إلى الإنترنت متاحًا لثلاثة مليارات شخص في بلدان تفتقر إلى شبكة الاتصالات الأرضية، وذلك بعد إطلاق مجموعات جديدة من المدارات الأرضية المنخفضة لتوفير تغطية مستمرة.

وبالبحث عبر محرك غوغل عن كلمة “الاتصالات عبر الأقمار الصناعية” (satellite communications) تحضر ما يقرب من 287 مليون نتيجة. ومن بين الكلمات المفتاحية المتواجدة بهذا البحث، الألياف الضوئية وتقنيات الإرسال البصري والتوابع الأرضية الاصطناعية، التي تعتبر كلها عوامل أصبحت جزءًا أساسيًا من البنية التحتية للاتصالات، وتصنف كأحد أهمّ منجزات الثورة التكنولوجيّة في هذا العالم.

وغير خاف الدور الإيجابي الذي تضطلع به تكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في السماح للناس باستقبال مئات القنوات التلفزيونية مباشرة في منازلهم، حيث توفر مزيدًا من السرعة عند الاتصال بشبكة الإنترنت من المناطق الريفية، وذلك من خلال الخدمات التي تقدم من قبل المستثمرين المرخص لهم بمزاولة أنشطتهم من طرف الجهة المخولة بتنظيم قطاع الاتصالات كالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بالمغرب.

مجلس الحكومة يجدد تراخيص شركات الاتصال عبر الأقمار الصناعية

في الأول من أكتوبر الماضي، أقدم المجلس الحكومي على اعتماد مراسيم تسمح بتجديد تراخيص مجموعة من الشركات العاملة في مجال الاتصالات بالمغرب، حيث جددت التراخيص الممنوحة لشركة “الحرية تيليكوم” (AL Hourria Telecom S.A) وشركة “أوربكوم المغرب” (Orbcomm Maghreb) وشركة “ثريا المغرب” (Thuraya Maghreb S.A) من لدن الوكالة، من أجل إقامة واستغلال شبكة عامة للاتصالات بواسطة الأقمار الصناعية من نوع GMPCS.

وهذا النوع الذي يعني الاتصالات الشخصية المتنقلة عبر الأقمار الصناعية، هو نظام اتصالات شخصية يغطي منطقة محـدودة أو إقليمية أو عالمية من خلال مجموعة أقمار صناعية يمكن النفاذ إلى خدماتها عن طريق وحدة طرفية صغيرة الحجم وسهلة التنقل، حيث تشمل خدمات الصوت والفاكس والرسائل القصيرة وكذلك البيانات، وفق التعريف الذي حدده الاتحاد الدولي للاتصالات.

كما أن هناك نوع آخر من أنظمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية يعتمد تراخيص لاستغلالها هي أنظمة الفيسات (VSAT) التي تقدم عبر الأقمار الصناعية الثابتة خدمات الصوت وقنوات النطاق العريض ذات السرعات الفائقة، التي يرتهن الوصول الى خدماتها بتركيب المشترك لهوائي (antenna).

 وتتضمن دفاتر التحملات الخاصة بالشركات العاملة في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية التعاريف الاصطلاحية الواردة في القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات، وإشارة الى أن طلب تجديد التراخيص تم إيداعه من طرف الشركات لدى الوكالة، ستة أشهر على الأقل قبل تاريخ انتهاء مدة صلاحية الترخيص، الذي يمكن تجديده لمدة تكميلية لا تتجاوز خمس سنوات.

وتأتي خطوة تجديد التراخيص بعد الشعور بضرورة ضمان سوق ذات جودة يعتمد المنافسة المشروعة كهدف أساسي طالما سهرت الوكالة على تحقيقه، لكن الأهم من ذلك، هو رفع تحدي تغطية المناطق النائية أو حتى بعض المدن التي لا تتوفر على شبكة الألياف الضوئية.

وقد تكون هذه الخطوة من بين الحلول المعتمدة لتحسين شبكة الأقمار الصناعية وإنهاء سنوات طويلة من تذمر المواطنين من عدم كفاءة شبكة الهاتف والانترنت، التي زاد من أعبائها و”خنقها” بالخصوص الحجر المنزلي الذي عاشه المغرب مؤخرا بسبب جائحة “كورونا”، وكان الإنترنت مصدر الترفيه الوحيد فيه.

وعلى الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته البنية التحتية الخاصة بالاتصالات في مختلف أنحاء المملكة خلال السنوات الأخيرة، فقد بات لزاما على الفاعلين في هذا المجال إقامة بنيات تحتية جديدة تعتمد أساسا على الألياف الضوئية، باعتبارها “التكنولوجيا الوحيدة التي تسمح بتأمين تبادل المعطيات ذات الأحجام الكبيرة والمتزايدة”، بحسب ما أوصت به مذكرة، نشرت منذ سنتين، حول التوجهات العامة المعتمدة من طرف الحكومة لمواصلة تنمية قطاع الاتصالات.

هواتف الساتلايت للحد من “وباء العزلة”

في غياب البنية التحتية الخاصة بالاتصالات في المناطق الجبلية والنائية، تُستخدم عادةً لإجراء المكالمات أجهزة لا تعتمد على شبكة أبراج الاتصالات الأرضية، وأبرزها هواتف خاصة ذات حجم كبير يلحق بها هوائي، يُطلق عليها هواتف الساتلايت أو هواتف القمر الصناعي.

في يناير الماضي، كان نور الدين بوطيب، الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، أعلن عن توزيع مصالح وزارة الداخلية ل 150 هاتفا يشتغل عبر الأقمار الصناعية على مجموعة من الدواوير المهددة بالعزلة بسبب الثلوج، وتعاني أصلا من مشاكل في خدمات الاتصالات، وذلك من أجل إبقاء التواصل معها قائما في حالة حدوث أي وضع حرج أو تعرضها لأي مشاكل نتيجة أحوال الطقس.

وعن الخصائص التي تميز هذه الهواتف، قال أستاذ الاتصالات والقانون بجامعة ولاية بنسلفانيا، روب فريدن، أن استعمالها يكون ملائما في المواقع الجغرافية التي تغيب عنها الخدمات الأرضية ذات التكلفة المنخفضة، كالسفن السياحية، والدول الجزرية، والمناطق الريفية النائية، وكذلك في قطاع الطيران، والتنقيب عن النفط، والأنشطة التي تمارس داخل القارة القطبية.

وأوضح الخبير الأمريكي، في حوار لمجلة “BAB”، أن خدمة الأقمار الصناعية أكثر تكلفة بسبب النفقات التي يجب أن تدفعها الشركات عند إطلاق كوكبة من الأقمار الصناعية بدلا من إنشاء الأبراج الأرضية، مؤكدا أن معظم المستهلكين لا يستطيعون تحمل مصاريفها المرتفعة، لكنها تصبح بديلا لا بد منه في بعض الحالات الاستثنائية التي تغيب فيها خدمات الاتصال الأرضية كحالة الدواوير المهددة بالعزلة نتيجة الثلوج. كما لفت إلى أن هواتف الساتلايت تستعمل تكنولوجيا المدارات الأرضية المنخفضة التي عادة ما تكون قريبة بما يكفي للمستخدمين، بما يمكنهم من استخدام الهواتف المحمولة صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، الى جانب خدمات أخرى ترتبط بعدد قليل من المدارات الأرضية العالية التي تنقل “بصمة” واسعة النطاق تشمل عدة مناطق على الأرض، ويكون من الضروري وجود جهاز إرسال أو استقبال إشارات هذه المدارات أكبر وأكثر قوة.

 تكلفة خدمة الاتصال عبر الأقماد الاصطناعية بالمغرب

خصائص ثلاثة نماذج لهواتف الأقمار الصناعية

وتوجد ثلاثة نماذج أو تصاميم لهواتف الأقمار الصناعية تتميز بكونها الأكثر مبيعا والأقوى أداء، حسب تصنيف الموقع الالكتروني “نوتيكوم”:

– الأول هو “Inmarsat IsatPhone 2″، الذي طورته شركة “إنمارسات” البريطانية الرائدة في هذا المجال منذ 1979، ليكون هاتفا مقاوما لجميع الأحوال الجوية السيئة، وله منطقة تغطية واسعة عبر العالم ويستخدم خلال الرحلات البحرية، لكنه يتطلب أن يكون مستخدمه متقنا للغة الإنجليزية في حال اضطره الأمر للاتصال لمعرفة المزيد من المعلومات حول الخدمة، مع ضرورة تقدير تكلفة المكالمات الواردة لتجنب حدوث مفاجآت سيئة.

هاتف إنمارسات

هاتف Inmarsat

– الثاني هو “Iridium 9575 Extreme” معروف في الميدان العسكري ب(IP65)، ويتميز بصلابة تسمح له بمقاومة العواصف والصدمات والماء والغبار. ويسمح هذا الجهاز بإجراء مكالمة هاتفية مجانية لا تتجاوز 75 دقيقة عند استقبال الاشارة لأول مرة، حيث يأتي مع بطاقة SIM مسبقة الدفع، غير أن تاريخ صلاحيتها لا يتعدى شهر واحد. لكن سعر الهاتف يبقى مرتفعا مقارنة مع منافسيه؛ حيث يتراوح ما بين 1400 و1600 أورو بموقع التسوق الإلكتروني “أمازون”، أو 23.900 درهم حسب موقع مجموعة “KVER” التي يوجد مقرها بالمحمدية، ليكون ثمن الجهاز المستورد يزيد على الأقل ب8800 درهم، إذا ما أراد المواطن المغربي اقتناءه.

 Iridium 9575 Extreme

هاتف Iridium 9575 Extreme

– أما الهاتف الثالث، بحسب الموقع الفرنسي، فهو “Thuraya XT Lite” المعروف بسعره المعقول، إذ يصل إلى 540 أورو في “أمازون” أو 8640 درهم عند “KVER”. وقد طورت شركة “ثريا” الإماراتية هذا الجهاز ليعمل أيضا مع شبكة الاتصالات الأرضية “GSM” وبرمجته في 13 لغة، لكن التغطية التي يوفرها لا تشمل جميع أنحاء العالم.

Thuraya XT Lite

هاتف Thuraya XT Lite

وتعليقا على هذه الهواتف، سجل فريدن أن معظم المستهلكين راضون عن ميزات الاتصالات اللاسلكية الأرضية، فهم “إما يمتنعون أو يستغنون عن دفع تكاليف مرتفعة لاستخدام هواتف الأقمار الصناعية”، مؤكدا أن نفس الانقسام يوجد بين النطاق العريض السلكي عبر الأسلاك النحاسية أو الألياف البصرية، والنطاق العريض المتصل عبر الأقمار الصناعية الذي يعد أكثر تكلفة ويوفر معدلات إرسال بطيئة.

دمج الخدمتين الأرضية والفضائية في “حزمة تكنولوجية” واحدة

وللسيطرة على نفقات تسيير الأقمار الصناعية وتحسين جودة الاتصالات، قامت شركة “دوتشه تيليكوم” (Deutsche Telekom) بتطوير شبكة الطيران الأوروبية (EAN)، التي تعتبر بمثابة أول قمر صناعي متكامل في العالم يتصل بنطاق التردد “S” وفي نفس الوقت بشبكة أرضية تكميلية تقوم على إشارات بعيدة المدى “LTE” تم إنشاؤها خصيصا لأوروبا.

تخدم هذه الشبكة بالأساس قطاع الطيران وتوفر نطاقا تردديا عالي السرعة للركاب يزيد عن 75 ميغابايت في الثانية، حيث يمكنهم الاستفادة من سرعة اتصال تضاهي سرعة الالياف البصرية.

وبخصوص هذا الإنجاز التقني الرائد والمبتكر، قالت المتحدثة الرسمية باسم الشركة الألمانية، آن جيلين، إن النظام المتطور الذي قدمته “دوتشه تيليكوم” بشراكة مع “إنمارسات” البريطانية هو مزيج من تكنولوجيا “LTE” والأقمار الصناعية، مضيفة أن هذه “الحزمة التكنولوجية هي فريدة من نوعها في العالم”.

وأوضحت مسؤولة التواصل، في حوار لمجلة “BAB”، أن الميزة الأساسية لهذه “الحزمة التكنولوجية” هي إنتاج البيانات على نحو أفضل كلما كانت الطائرة متصلة عبر شبكة “LTE”، وذلك بشكل رئيسي فوق اليابسة. أما فوق البحر، فيأخذ القمر الصناعي بزمام الأمور.

وأشارت جيلين إلى أن نظام EAN يعمل فقط في الاتحاد الأوروبي لتوفر الشركة الألمانية على التراخيص اللازمة في جميع الدول الأعضاء والبنية التحتية التي تدخل ضمن “البصمة الأوروبية” للشركة لبناء الهوائيات التي توفرهما شركتا “Deutsche Funkturm” و”T-Systems”، وكلاهما تملكهما “دوتشه تيليكوم”.

وخلصت جيلين إلى أن غياب نظام “EAN” في آسيا أو إفريقيا وخاصة المغرب، علما أن الشركة الألمانية تتوفر على حوالي 300 محطة قاعدية في أوروبا وتتواجد في عدة بلدان بأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وفي الهند، هو بسبب عدم وجود “بصمة” تشمل القارتين لاستخدام الموارد الحالية للشركة، “والأهم هو عدم وجود تراخيص”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى