الرئيسيةفن وثقافة

الطرب الغرناطي.. خلاف بين مولوعين قد يُفسد «القضية»

لعل الكثيرين يتذكرون بث الإذاعة والتلفزة لأمسيات «الطرب الغرناطي». ألحان راقية وغناء بديع، يروون قصة زمن جميل ويجهرون بتجدد مستمر لتراث نفيس، عمل كثيرون على الحفاظ عليه… لكن، مع تغير الأزمنة، صار الحفاظ على هذا التراث يطرح إشكالات عدة، لعل أبرزها أن أنطولوجيا هذا الطرب لم تُسجل بعد… تواصلت مجلة BAB مع حاملي هذا «الهم»، فإذا بها تصطدم بهم آخر…


يقال أن «الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية». لكن، إذا تحول «الإختلاف» إلى خلاف على أطراف «القضية»، فإن الضحية تكون بلا منازع هي القضية نفسها. فعندما يتجاوز الخلاف والاختلاف مستوى التعبير عن «الرأي»، ليصل إلى قطع حبل «الود» بين من يتقاسمون الهم ذاته، فإن الهم يتحول إلى هموم، قليل منها فقط موضوعي بحت. إن هذه الصورة تنطبق بشكل كبير على بعض حملة «هم» الطرب الغرناطي… أو «الطرب الأندلسي الجزائري» أو «الدزايري»، مثلما يفضل البعض تسميته، والتسمية نفسها مصدر خلاف عند المهتمين بهذا الفن العريق الذي كاد يغيب عن المسارح والأثير والشاشة والدراسة والبحث…

انطلقت فكرة هذا الملف من رغبة في فتح نافذة على تراث أصيل، وعن ما يبذل من جهود للحفاظ عليه وتثمينه والارتقاء به… فإذا بمسار إعداد الملف يصطدم بخلاف شائك بين أهله. فحديث جل من اتصلت بهم مجلة «باب»، من باب الحرص على التوازن والإنصاف، انصب على نقض طرح الآخر المفترض، حتى وإن لم يكن ذلك موضوع السؤال، خلاف بخصوص نشأة «الطرب الغرناطي»، وهويته، ومدارسه، وشخوصه، ومساره، وتطوره، بل إن بعض الرواد -وجلهم أسلم الروح إلى بارئها- لم يسلم من النقد، وخصوصا من معول النقض، ليصبح الخلاف في حد ذاته موضوع الملف، من باب تشخيص الوضع عبر إبراز مختلف وجهات النظر.

البداية من العاصمة الرباط…

بما أن مجلة «باب» تصدر من مدينة الرباط، فقد كان بديهيا البدء بالسعي للتواصل مع أحد قامات هذا الفن المقيمة في العاصمة. إنه الحاج أحمد بيرو، والذي إن كانت حالته الصحية وكذا الظروف الصحية الاستثنائية التي تعيشها بلادنا لم تسمح بلقاء مباشر معه، فإن ابنه طه بيرو، تفضل بنقل أسئلة المجلة إلى الوالد، ثم بنقل الأجوبة إلى المجلة، في حوار استغرق إجراؤه حوالي الشهر والنصف. ثم كان الاتصال بـالفنانة بهاء الروندا، تلميذة أحمد بيرو، والتي أحالتنا بدورها على زميلها محمد أمين الدبي، رئيس جوق «شباب الأندلس».

وحتى نقدم صورة مكتملة قدر المستطاع والمتاح، كان من الضروري تغيير زاوية النظر إلى هذا الفن العريق، فتم الاتصال برشيد التومي، الفنان الجزائري الأصل وأحد تلامذة الحاج أحمد السري، أحد أعمدة «الطرب الأندلسي الجزائري»، والذي أحالنا بدوره، ليسند أطروحته، على ادريس السرايري، أستاذ جامعي متخصص وباحث في هذا المجال. كما دار حديث حول الغرناطي وأسئلته مع الباحث وأستاذ الموسيقى أحمد عيدون.

الحديث عن «الغرناطي» كان بمثابة دخول في دوامة وجهات نظر تشعر المستمع إليها بأنه يبتعد شيئا فشيئا عن الفن في اتجاه هوامش حياتية أخرى بخلافاتها وتقاطعاتها. كل الذين التقتهم مجلة BAB حرصوا على التأكيد بأن  «الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية، لكن ما أن ينطلق الحديث أحيانا حتى يتضاءل «الود» وتتراجع «القضية» ويفتح المجال لما يشبه «عتابا قاسيا» بين حملة «هم» فن ظلمه قريب وبعيد حتى كاد يفضل الانزواء في دندنة قلة من العشاق تمسكوا به للاستعمال الفردي.

القضية لا تتعلق الآن بمن ستكون له الكلمة الأخيرة أو الأولى بل بسرعة التحرك حتى لا يضيع هذا الموروث الأصيل، مثلما ضاعت بعض «نوباته» (متتالية غنائية)…

ليس من دور مجلة BAB الخوض في تفاصيل الخلافات الشخصية على أطراف «القضية»، فهي لا تسعى وراء الإثارة -وبعضها لا بأس منه وإن بمقدار-  بل إن الغاية مما يلي تكمن في طرح أو إعادة طرح ملف «الطرب الغرناطي».

gharnati

الغرناطي فن جزائري بحت, للمغرب إضافته ولمسته الخاصة

أولى نقاط الخلاف تدور في فلك الإضافة التي قدمها المغرب لهذا الفن. فإذا كان البعض يعتقد بأن الطرب الغرناطي قد ازدهر بالجزائر، وخصوصا بمدينة تلمسان، فإن انتشاره بالمغرب على يد محمد بن غبريط، جعل المغاربة يضيفون لمسة خاصة بهم لهذا الفن، فإن آخرين يرون عكس ذلك تماما.

في هذا الإطار، تعتبر الفنانة بهاء الروندا أن «المغرب، على غرار بقية الدول المغاربية، له دور كبير في المحافظة على ما نقله الأندلسيون، أو ما احتفظ به عن طريق التفاعل الثقافي والفني بين المغرب والأندلس، معتمدًا في ذلك على الرواية الشفوية من الشيخ إلى التلميذ. وقد ساهم المغاربة في هذا الفن بمدارس متعددة، يشرف عليها شيوخ كبار وأساتذة لهم خبرة كبيرة في الميدان، حيث نجد أصواتا جميلة وأساليب عديدة، إضافة إلى إسهامهم في توثيق التراث، وديوان الأستاذ أحمد بيرو «الإحاطة في أنغام غرناطة» خير دليل. وعموما، فقد قام المغاربة بالحفاظ على المئات من المقطوعات الغنائية»، تضيف تلميذة الحاج أحمد بيرو. إنه رأي يعارضه بشدة ادريس السرايري، والذي يعتبر أن «ليس هناك من إضافة قدمها المغرب لهذا الفن، كل بلد من البلدان المغاربية له طربه، الأندلسي الجزائري، «الملوف» التونسي، ثم طرب الآلة المغربي. وإلا فقد يدعي أحدهم غدا أن للسمفونية الألمانية أصولا مغربية ! لا شيء أسهل من الكذب على الموتى».

بين رأيي بهاء الروندا وادريس السرايري، المتباعدين بعد الأرض عن السماء، يبرز رأي وسطي وتوافقي.

فبحسب أستاذ الموسيقى أحمد عيدون، «نسبة الطرب الغرناطي للجزائر واقع لا يرتفع». فمن المعروف، يضيف السيد عيدون، «أن الطرب الغرناطي في شكله التقليدي نما بفضل التبادل الثقافي الذي لم ينقطع بين المغرب والجزائر وخصوصا بين فاس وتطوان وتلمسان، وقد انحسر هذا الفن عندنا في حدود المرددات اليهودية، وعرف انتعاشا انطلاقا من عشرينيات القرن الماضي بفضل فنانين من تلمسان استوطنوا وجدة والرباط، فوجدوا في المدينة شيوخا ومولعين استعادوا ذاكرة النوبة الغرناطية وطبعوها في أسلوبهم، كما أضافوا بعض القصائد».

خلاف حول التسمية: «الطرب الغرناطي»  «الموسيقى الأندلسية الجزائرية»

إن كان الحديث يدور حول ما اصطلح على تسميته ب«الطرب الغرناطي»، فإن البعض يرى بأن هذه التسمية لا أساس لها، وكأنها هي أيضا سعي إلى تملك شيء تتفرد به الجزائر. «عبارة الطرب الغرناطي أشمئز لسماعها»، يؤكد السيد السرايري، مشددا على أنه «لا وجود لشيء اسمه الطرب الغرناطي. هناك «موسيقى أندلسية جزائرية». الموسيقى الأندلسية كانت متداولة عقب أحداث تاريخية معروفة. بالفعل، الطرب الأندلسي الجزائري اشتهرت به مدينتا الرباط ووجدة، وعلى الخصوص مدينة وجدة، بحكم قربها الجغرافي من مدينتي تلمسان ولالة مغنية اللتين دخل منهما هذا الطرب إلى المغرب عن طريق عائلة بن اسماعيل، ثم وقع تواصل بين العائلات وانتقلت المؤثرات الموسيقية. لكن، وجب التأكيد على أن الموسيقى المتداولة في وجدة هي مطبوعة بالأساس بالطابع التلمساني».

رأي الباحث السرايري لا يتقاسمه البتة أيقونة هذا الفن الحاج أحمد بيرو، والذي يعتبد أن «الطرب الأندلسي الغرناطي، وكما يدل على ذلك اسمه، هو الطرب القادم من بلاد الأندلس، ومن غرناطة على الخصوص. وحسب ما ذكره الدكتور عباس الجراري حول «التأثير الموريسكي في الطرب الأندلسي الغرناطي»، كان يطلق على هذا الفن «نوبة غرناطة»، ومن خصائصه أنه يغلب عليه النفس الحزين والإيقاع البطيء مما يعكس معاناة هؤلاء الموريسكيين على مدى قرن من الزمن قبل أن يستقروا بالمغرب…». وهنا يجدد السيد عيدون التأكيد على أن الجزائر «استطاعت  أن تخلق حركة فنية متجددة ومدارس لهذا الطرب وسلسلة متصلة من التلاميذ. لكن لا يجب أن ننسى أن المغرب احتفظ في الذاكرة بصنعات وقصائد طواها النسيان في الجزائر».

ماذا عن «المدرسة الرباطية» للغرناطي؟

إن كان الكل يُجمع على أن للطرب الغرناطي تواجدا قويا بوجدة، وذلك من خلال مهرجانات ومراكز تكوين وجمعيات منحته وهجا خاصا -وقد ذهب المؤرخ الوجدي، بدر المقري، إلى حد اعتبار أن «الحجج التاريخية لا تعوز للتدليل على الدور الذي لعبته وجدة على مر قرون من حضور الفن الغرناطي باعتباره نمطا موسيقيا يشكل جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمدينة»، معتبرا أن القول بأن هذه الموسيقى «مستوردة» إلى وجدة هي فكرة خاطئة تماما»-، فإن الخلاف حول وجود مدرسة رباطية في الفن الغرناطي محط خلاف أكبر.

وهنا يعتبر السيد السرايري على أنه «لا وجود لشي اسمه «المدرسة الرباطية» للموسيقى الأندلسية الجزائرية. إنها مغالطة كبيرة. لا يكفي حفظ بعض «الصنيعات» وبإنشاء بعض الجمعيات وبتنظيم بعض الحفلات حتى يدعي أحدهم وجود مدرسة».

رأي يُؤكده رشيد التومي، الذي يعتبر أنه «على مستوى مدينة وجدة، هناك مدرسة حقيقية لهذا الفن وهناك أمور عدة، ويتجلى ذلك في مهرجان كبير وجمعيات وتلقين لهذا الفن، وأساتذة وتلاميذ كثر. لكنني أؤكد بالمقابل على أنه لا وجود لشيء اسمه المدرسة الرباطية للطرب الغرناطي. مع كل الاحترام والتقدير، هناك الحاج أحمد بيرو وتلميذته الوحيدة بهاء الروندا والتي تغني دون أن تعزف، وهذا أمر لا يستقيم. أما على مستوى مدينة وجدة، فهم يتقنون بشكل أفضل بكثير عزف وغناء هذا الطرب».

ولأن لكل موقف نقيضه، فأمين الدبي، رئيس «جوق الأندلس» يعتبر أن لمدينة الرباط إضافة خاصة للطرب الغرناطي. «لمدينة الرباط لمستها الخاصة في هذا الفن»، يؤكد المتحدث، والذي يعتبر أن «اليهود الذين انتقلوا إلى الرباط كان لهم دور كبير في الحفاظ على هذا الفن. ومن بين الأدلة على الإضافة التي قدمتها مدينة الرباط، وجود «صنايع» فريدة من أصل غرناطي كتلك التي كانت في الجزائر وتلمسان وبجاية والبعض منها في قسنطينة. وقد شهدت بأم عيني قدوم الشيخ الجزائري الكبير أحمد السري، رحمة الله عليه، إلى الرباط لجلب «مستعملات» لدى الحاج أحمد بيرو، غير موجودة بالجزائر. ومن الأدلة كذلك، تواجد ثلاث شيوخ كبار قدموا الشيء الكثير للغرناطي، وهم الراحلين أحمد بناني والحسين بلمكي، ثم الحاج أحمد بيرو، أطال الله عمره. ولهؤلاء الشيوخ، دون غيرهم، فضل كبير في ترميم عدد من القصائد بالإضافة إلى البراعة في الأداء. أضف إلى ذلك أن مدينة الرباط صارت تتفرد بغناء الغرناطي في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما تتميز مدينة الرباط بالأداء المخضرم، أي الفردي والجماعي. كما أسهمت مدينة الرباط في الحفاظ على هذا التراث من خلال توثيق جزء منه من خلال تسجيله لدى الإذاعة والتلفزة».

وهنا يؤكد الحاج أحمد بيرو على أنه «بطبيعة الحال، مدينة وجدة لها أقدمية في هذا الميدان، نظرا لقربها من مدينة تلمسان، التي تعد المدرسة الأولى لهذا التراث. أضف إلى ذلك أن مدينة وجدة تتوفر على مؤسسات ومدارس تعليمية تخص هذا الفن. بالإضافة إلى مهرجانها السنوي. إلا أن مدينة الرباط، وعلى الرغم من افتقارها للجمعيات والمؤسسات، تتوفر على مؤهلات أخرى، وعلى رأسها الاستمرارية في هذا الفن. ولعل من أبرز ما أسهم في ضمان هذه الاستمرارية «الكورال» الذي تتفرد به الرباط».

آلة الموندولين، إحدى أبرز آلات الطرب الغرناطي

لا مجال للتجديد في الطرب الغرناطي , تجديده واجب حتى يتلائم وروح العصر

يعتبر الحاج أحمد بيرو أن «التراث الأصيل يظل أصيلا، لا يطاله التجديد. التجديد الوحيد المتاح قد يهم الوسائل المعتمدة للحفاظ عليه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نتحدث عن تراث، فلا مجال للحديث عن تحسينات أو تعديلات، على اعتبار أن التعديلات قد تغيِّرُ صيغته وقيمته ونكهته».

رأي الأستاذ يخالفه نسبيا تلميذه أمين الدبي، والذي يعتبر أن من بين الإضافات التي قدمتها مدينة الرباط لهذا الفن كونها «جددت من ناحية التوزيع في الإيقاع وإضافة آلات جديدة، وذلك دون المساس بجوهر الطرب. إن  الهدف من التجديد وإضفاء لمسة جديدة يكمن أساسا في  السعي نحو انتشار أوسع لهذا الفن وإزالة طابع النخبوية عنه».  من جهته، يعتبر أستاذ الموسيقى، أحمد عيدون، بأن «لا شيء يمنع الملحنين من الاعتماد على عناصر من التراث لتلحين أنماط تعبيرية جديدة وأن يستعملوا ما أتيح لهم من آلات حديثة وإيقاعات مستوردة شريطة أن يثبتوا أصالة ما يقدمونه ويبقى الحكم للجمهور والتاريخ على تزكية ذلك أو رفضه».

في حين، تعتبر الفنانة بهاء الروندا أن «أي تجديد لا يجب أن يمس بالجوهر. الطرب الغرناطي فن عريق محكم ينفرد بخصوصيات كلاسيكية جميلة تعتمد على طبوع وألحان وأشعار وموشحات و أزجال ومواضيع مختلفة…وشخصيا، أميل إلى المحافظة على الأصل ليظل الطرب الغرناطي في خانة التراث».

الطرب الغرناطي نخبوي, الطرب الغرناطي ليس نخبويا

من منظور الحاج أحمد بيرو، «الطرب الحقيقي موجه أساسا للنخبة. على اعتبار أنه ينأى بنفسه عما يروج حاليا من بعض أنواع الموسيقى، والتي أُطلق عليها الموسيقى اللطوخ». أما السيد عيدون فيعتبر أن هناك حاجة ملحة لتوسيع قاعدة الاهتمام بالطرب الغرناطي، إذ يعتبر أنه «يمكن لنا أن نعتمد مفهومين للنخبة: المفهوم الشائع يعود بنا إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي ويكون بموجبه الاستماع إلى الطرب الغرناطي مرتبطا بطبقة اجتماعية معينة في معزل عن الجمهور الواسع، وهناك كذلك مفهوم ذوقي للنخبة يخترق كل الطبقات، وهو ما نلاحظه بالنسبة للموسيقى الأندلسية على العموم التي تستقطب الغني والفقير والمثقف والعامي، والجميع قد يرى فيها عنوانا لرفعة الذوق، لذلك فالسؤال المشروع هو كيف السبيل إلى توسيع قاعدة الاهتمام بالطرب الغرناطي دون تغيير هويته، وهذا نقاش لم نباشره بما يستحق من الدراسة».

بعيدا عن الخلاف، قريبا من الفن

لعلنا نختم هذا الملف بتصريح لمجلة BAB، لنور شرف، صحافية مهتمة وولوعة بالطرب التراثي: تقول فيه «تعتبر الموسيقى بشكل عام جسر تواصل و تلاقح ثقافي بين الشعوب. هي لغة واحدة هدفها الأسمى تغذية الأرواح والتنفيس عنها. تراثية كانت أو كلاسيكية، هادئة أو صاخبة، صامتة أو مع كلمات… فالمعنى لا يتغير وكل منا يجد ضالته وهواه الموسيقي. الطرب الغرناطي، هو إحدى الموسيقات التراثية الرقيقة ثناياها. أشعاره وألحانه تسافر بنا إلى الفردوس المفقود.. نستنشق من خلالها عبق جنات العريف وحدائق الخيرالدا ونسترق السمع لخرير مياه قصر الحمراء العذبة بغرناطة».

وتشدد الصحافية على أن هذه «الموسيقى يطغى عليها الجمال ويتجلى فيها بكامل صوره ومعانيه، لكنها للأسف تشكل موضوع خلاف شائك ودائم بين المهتمين والولوعين بها. خلاف حول النشأة.. حول الهوية.. حول المدارس.. حول الرواد.. وهكذا دواليك. حسب قولهم، الهدف المرجو هو الحفاظ عليها كتراث لامادي. هدف سام يتطلب الكثير من العمل والجهد للوصول إليه.. ولكن هيهات، الواقع يحكي عكس ذلك. هو واقع مليء بالصراعات التي لا تخدم الفن بشكل عام والطرب الغرناطي بشكل خاص، لا من قريب ولا من بعيد. حزازات وخلافات شخصية وثنائية وبين مجموعات تحول دون التوصل لطرح موحد قد ينهض بهذا التراث ليشع أكثر ولكنها تدمره وتعرقل فرص ظهوره. رفض وتعصب وعدم تقبل أفكار بعضنا البعض يشكل عائقا كبيرا أمام  النهوض بالطرب الغرناطي والمحافظة عليه وتثمينه.

هذا اللون الموسيقي الذي يتغنى بالجمال والدلال.. بالخضرة والماء والوجوه الحسان، يمدح الطير والبر والبحر ويذكرنا بليالٍ سلفت، يبكي حاله الآن بطبوعه وميازينه الرقيقة… فرفقا به رجاءً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى